أطياف ماركس
4.000 دك
الكتابة اختبار، وإنها بوصفها كذلك، لتستطيع إعادة إنتاج نفسها وغيرها إلى ما لانهاية، وإنها إذ تفعل هذا تبتغي أن تقول ما لم يُفكر فيه، وأن تنتج ما يستحيل أن يقبض عليه غيرها. ولقد مارس «كارل ماركس» الكتابة ليجد نفسه فيها فكراً لما يقول، فاستولت عليه وصارت هي فكر ما يقول. وكان أن أحدث لمّا مارسها انقلاباً في علاقته مع العالم، فأخذ يراه لا من خلال ما يُخبر به العالم عن نفسه ولكن من خلال ما تصنع الكتابة فيه،. وإننا إذ نقرأ فقرة من كتاب «رأس المال» لنلمس هذا تحديداً. فالكتابة تستدعي ما لم يقل وما لم يفكر فيه لكي تتخذ من نفسها دلالة مضمونها شاهداً وحيداً لا يشاطرها في ذلك شيء غيرها. إن ماركس يقول: «إن التأمّل العلمي في أشكال الحياة البشرية وبالتالي التحليل العلمي لهذه الأشكال يختاران بصورة عامة طريقاً يناقض تطورها الفعلي. وإن قولاً كهذا لا يُعدّ فكرة إلا بمقدار ما تنتجه الكتابة وتصادق عليه حتى لكأن ماركس لم يقل كشفه هذا هو بالذات ولكنه قال الكتابة بوصفها اختباراً قالت هي فيه ذلك. وإن ماركس ليقول أيضاً: «إن كل صوفية عالم البضاعة وكل الغرابات والأشباح التي تضبب منتجات العمل في ظل سيادة الإنتاج البضعي، كل ذلك يزول في الحال ما أن تنتقل إلى أشكال أخرى للإنتاج»، وإن قولاً كهذا ليستدعي المستحيل لا لشيء إلا لأن الكتابة صنعت إنتاج الفكر وجعلته له ميسراً فلا صوفية عالم البضائع في الواقع قائمة عياناً، ولا الأشباح التي تضبب منتجات العمل ظاهرة ومرئية.
وإن الكتابة هي التي حيّزت كل ذلك وقبضت عليه وجعلته مرئياً، ولذا كانت كتابة ماركس على وجه العموم هي المكان التي تتكثف فيه اللامرئيات من المخلوقات فتتصلب، فتتماسك، وتصبح مرئية. وهي لأنها كانت على ذلك قادرة، فقد استجرت «الشبح» من غيبوبة العدم وجاءت بالطيف من وراء حجاب اللارؤية إلى مساحة المشاهدة وحضور المعاينة، وحققت لهذا المستحيل وجوداً يتجاوز العشور به إلى الملموس والمحسوس أدخلته في المتصور وفي ثقافة التعامل مع الأشياء.
وبهذا المعنى يمكن القول: لقد صيرت الكتابة ماركس ظاهرة نصيّة، فانداح في عالم الفلسفة حاملاً جنازة الصوت ومرتدياً سواد الحرف.
280 صفحة
جاك دريدا
دار نينوى
اسم المؤلف : جاك دريدا
اسم المترجم :
دار النشر : دار نينوى للدراسات والنشر والتوزيع
متوفر في المخزون
اسم المؤلف |
جاك دريدا |
---|---|
دار النشر |
دار نينوى للدراسات والنشر والتوزيع |
منتجات ذات صلة
التدين العقلاني
الحنين إلى الخرافة : فصول في العلم الزائف
العقل والوجود
تمهيد لتاريخ الفلسفة الإسلامية
سؤال الحب من تولستوي إلى أينشتاين
سيمون دو بوفوار وجان بول سارتر وجهاً لوجه “الحياة والحب”
نيتشه – زارادشت : الإبداع بين الحرية واللاوعي
بقدر ما تكون متماهيًا مع لاوعيك تكون مبدع العالم، وعندئذ يمكنك أن تقول: «هذه ذاتي».
إذا قلت هذا نوري، يكون ذلك صحيحًا إلى حد معين: إنه في دماغك، وأنت ما كنت سترى ذاك النور لو لم تكن واعيًا له مع ذلك؛ فإنك ترتكب خطأ كبيرًا عندما تقول إن النور ليس سوى ما تنتجه أنت سيكون ذلك إنكارًا لواقع العالم.
بقدر ما تكون واعياً له، يكون ملكك، لكن الشيء الذي يجعلك تمتلك فكرة عما يصبح ما تدعوه بـ «الضوء» أو «الصوت» ذلك ليس ملكك ذاك بالضبط هو ما لا تمتلكه أنت، شيء من الخارج المجهول العظيم.
لذا فعندما يقول نيتشه، «هذه فكرتي، تلك الهوة السحيقة لي، إنها له فقط بقدر ما يمتلك كلمة لأجلها، بقدر ما يصنع تمثيلاً لها، لكن الشيء نفسه ليس له.
تلك حقيقة، ولا يمكنك أبدًا أن تدعوها بحقيقتك الخاصة.
أنت عالم كامل من الأشياء، وهي كلها مختلطة فيك، وتشكل مزيجًا رهيبًا، عماء؛ لذا ينبغي أن تكون سعيدًا جدًّا عندما يختار اللاوعي صورًا معينة ويدمجها خارج ذاتك.
الآن عندما يرى نيتشه الجانب السلطوي للأشياء، وهذا الجانب لا يمكن إنكاره؛ فإنه محق تمامًا بقدر ما يوجد سوء استخدام للسلطة.
لكنه إذا رآه في كل مكان في نواة كل شيء، إذا تسلل بوصفه سر الحياة حتى إذا رآه بوصفه إرادة الكينونة والخلق، فإنه يرتكب عندئذ خطأ كبيرًا.
عندئذ يكون معميًّا بعقدته الخاصة؛ لأنه يكون الإنسان الذي يمتلك مشاعر دونية، من ناحية أولى، ومن ناحية أخرى لديه عقدة سلطة ضخمة، فماذا كان نيتشه الإنسان في الواقع؟
كتاب نيتشه – زراديشت؛ الإبداع بين الحرية واللاوعي
عدد الصفحات :492
كارل يونغ
دار الحوار
المراجعات
لا توجد مراجعات بعد.