في كتاب «انطباعات صغيرة حول حادث كبير» استطاع إبراهيم أصلان كعادته أن يلتقط ما يبدو عاديًّا مارًّا في يومياتنا، لينتقي منه مناطق يُبروزها ليضع القارئ في حالة شعرية بامتياز عبر حساسية مُرهفة في اصطياد المشهد الأكثر إنسانية من قلب الأحداث الكبرى أو الصغرى..
فبينما قامت ثورة في تونس يتابع العالمُ أحداثها، يلتقط أصلان بؤرتها في مشهد محمد البوعزيزي نائمًا ملفوفًا بالشاش يقف بجانبه الرئيس يلتقط الصور أمام كاميرات الصحافة والإعلام، وبين هذه اللقطة وأبيات أبي القاسم الشابي عن إرادة الشعوب، يجول الكاتب في ذكريات وأحوال، ثم تتوالى الفصول انتقالًا إلى ما حدث في مصر يوم 25 يناير، جائلًا بعينيه في الشوارع الجانبية لما يحدث، والأحوال القريبة من ميدان التحرير أو البعيدة عنه، بينما تتمحور الحكايات حول فكرة أن مصر لم تتغير فجأة، وإنما استعادت ما كانت جديرة به، هكذا لم تكن الثورة وليدة اللحظة، وهكذا لم تكن تلك الكتابة في حقيقتها وليدة اللحظة.
يتلقى السارد اتصالًا يُخبره بموت صديق قديم، يغلق الهاتف ويستعيد زمن الصديق، ويتوالوا أصدقاء الزمن القديم وحكاياتهم في سردية متناغمة تقوم على استعادة ما كان بينهما من ذكريات، وضمن لعبة «التذكر» يروي فصولًا من الحياة التي عاشها والمغامرات التي شكَّلت عالمه الغني بكافة التفاصيل الإنسانية.
يتعرف القارئ في الرواية على كافة السمات الجمالية التي ميَّزت كتابات إبراهيم أصلان، في قدرتها الفذة على بناء المفارقة الساخرة، والاحتفال بالمكان وبتفاصيل الحياة اليومية، والتأكيد الدائم على طابعها الشاعري، فضلًا عن العناية باللغة المُكثفة المصقولة بأناقة بالغة، وتنتهي إلى كتابة دافئة تتفاعل فيها كافة الحواس وبطريقة تجعل القارئ متورطًا في هذا العالم الحميم، وطرفًا فاعلًا في مُفرداته التي حوَّلها الكاتب إلى قطعة «دانتيلا» مشغولة بالحنين.
عدد الصفحات : ١٦٠