عرض النتيجة الوحيدة

دفاتر الوراق

5.500  دك
ها أنتم الآن تقرأون ورقتي هذه، بينما جسدي قد ابتلعه البحر حيث السكينة الأبديّة، أنا منحازةٌ لأسماك ‏الأعماق عند انكسار الضوء وارتطامه بالرمال الطريّة. لا أحبّ ديدان الأرض حيث الظلمة والرطوبة تهب وجعاً إضافيّاً للموت، لهذا منحت جسدي للماء سرّ ‏الإنصات الأبديّ، والحضن الّذي لا تغلق ذراعاه، لم أكتب وصيّتي، فليس هناك من وصايا للّذين خذلوا في ‏حياتهم سوى أن يتمنّوا أن يبادر أحدٌ ليدوزن الوتر النشاز، وليس لي وصايا لأقولها، فأنا محض ريشة دوريّ ‏علقت في هواء لم يسكن ولو لحظةٌ واحدة.‏ حينها كان يمكنني أن أحط على شجرة وأشاهد كيف تنضج حبّة كمَثرى على صدر أمّها، أو أحط على كتف ‏رجل ذاهب للقاء امرأةٍ قطع عهداً على قلبه أن يحبّها كما يحبّ الطائر جناحيه بينما يخفق ماراً فوق شارع ‏يكابد عابروه الزحام.‏ أنا محض امرأةٍ خُذلَت في حياتها وجاءت إلى تفكر بالاعتزال كما يعتزل عازف شهير في أوج نبوغه لخلل ‏يستشعره قادماً لا محالة، لا وصايا لي سوى هذه الكلمات فأحرقوا هذه الورقة وانثروها هنا لعلّها تصير شاهدةً ‏جوّالةً تشير إِليّ.‏ ‎ رواية دفاتر الوراق الكاتب جلال برجس