هل كنت على حق؟ هل أخطأت؟ هل تجاوزت الحد في الرضا عن نفسي؟ إذ توغلت أبعد من أفكار أرسطو؟ أو قصرت في ذلك؟ هل خدم الشارح المعلم أم أفسده؟ في الأصل ليس للجواب فائدة كبيرة. ما أخذت في الحسبان. مايجب أخذه في الحسبان هو السعي والتمهل وإعمال العقل، السؤال يؤدي إلى الحكمة بينما يؤدي السؤال إلى انحطاط الروح. وإذا حدث وكانت للحقيقة صادمة ومزعجة فلذلك ليس من خطأ الحقيقة.
عمري ستّة وثمانون عاماً. ثمّة يقين واحد: إنّني أحتفظ بألف عام من الذكريات.
في ساعة الأصيل هذه، والشمس تجنح نحو الغروب، وأنا متربّع على قمّة هذا الكتيب مثلما كنت أفعل في شبابي، تتراءى لي تلك الذكريات، متتابعة على خطّ الأفق. أرى مُدناً متداخلة في فّروة الزمن، مُدناً بجادّات عريضة مُستوحاة من مُدن أخرى تنتصب هنا، على أرضي حيث لم يكن سوى دروب الريح، أرى ناطحات سحاب وحدائق حيث لم يكن ينبت غير الحصى، أرى نخيلاً، مزارع نخيل، أرى مدارس وجامعات ومستشفيات ومتاحف، وكثيراً من أحلام أخرى أصبحت حقائق، أرى سراباً أصبح حجارةً وفولاذاً. لم يكن ذلك سهلاً، لكنّ القيام به كان شديد الإغراء. أخرجتُ من عمق الصحراء بلاداً يعرف أهلُ الغرب اسمها، فهل تعرفون اسمي أنا؟
حسناً، سأعلِمكم به: اسمي الشيخ زايد.
قد يُفاجأ القارئ بأن دلمون بلاد حقيقية وليست من نسج الخيال. ورد ذكرها منذ العام 3000 ق.م. في نصوص بلاد ما بين النهرين القديمة وحتى منتصف الألفية الأولى ق.م.
دلمون في الحقبة التي نتحدث عنها لم تكن صحراء جرداء، بل على العكس كانت تُروى بالمئات من ينابيع المياه العذبة والآبار الأرتوازية وكانت أراضيها شديدة الخضرة، محققة بذلك معجزة في منطقة من العالم مشهورة بجفافها. في دلمون تتلاقى الأساطير مع الواقع، والحياة الأبدية مع الموت، والتاريخ العظيم مع حكايات الحِقب.
كل ذلك يُختصر في كلمة واحدة: الحلم.
رواية دلمون مملكة ببحرين
الكاتب جيلبرت سينويه
ترجمة محمد مدكور