في روايته “الأرض التي تموت”، يقدّم لنا رينيه بازان حكاية عن فرنسا العميقة، عن تلك الأرض التي عرفتها بلاد الكروم والحقول الشاسعة يوماً وباتت في طي النسيان في هذا الزمن. وبالتالي فهي استحضارٌ رائعٌ لحياة الفلاحين الذين عاشوا في اندماجٍ ذاتيّ تامّ مع الطبيعة، وتطرّق إلى الصعوبات الحياتيّة التي واجهوها، لكنها أيضاً تسلّط الضوء على جاذبيّة المدن إثر تحوّلات ما عرف آنذاك باسم الثورة الصناعيّة، أي التحوّلات الاجتماعيّة والاقتصاديّة والأخلاقيّة التي ألقت بظلالها على المجتمع الريفي الفرنسي أواخر القرن التاسع عشر.
خمس راهبات فقيرات نذرنَ حياتهنّ للعبادة والأخذ بأيدي البؤساء وتعليم بناتهم، وكنّ قانعات بعيشتهنّ البسيطة في دارهنّ التي هي سكنهنّ ومدرستهنّ إلى أن قرّرت السّلطات هدم المبنى، وإجلاءهنّ، وإرغامهنّ على الخروج من حياة الرهّبنة ودخول العالم الدنيويّ الذي غادرنه بمشيئتهنّ منذ سنين، والبحث عن مأوى ومورد رزق وحماية صارت عصيّة المنال، بل مصدر غواية لمن لم تستطع الصّمود أمام مغريات الحياة الجديدة.
“المعزولة” رواية تصوّر الحياة الاجتماعيّة والاقتصاديّة والعقائديّة في فرنسا في مطلع القرن الماضي، وجرائر العَلمانيّة التي وُضعت لفصل الدّين عن الدّولة، فإذا هي تحارب الدين حتّى في معاقله، وتصوّر أيضاً مظاهر البؤس لدى الكادحين والبسطاء من خلال رسم بديع للحياة في ليون، مدينة النّهرين، ونيم، إحدى المدن التاريخية المطلّة على المتوسّط.
عدد الصفحات: ٢٥٢
في روايته “دوناتيين” يستعين رينيه بازان بالعنصر الأنثويّ لتبيان التّحولات الكبيرة الّتي تلبّست بالمجتمع الفرنسيّ ككلّ إثر التّغيرات المجتمعيّة النّاتجة عن توسّع وسواد الرّأسماليّة وتضخّم الهوّة بين الأرياف والمدن، وبالتالي تحضر تركيبة شخصيّة دوناتيين كنموذجٍ من الّذين انطلت عليهم هذه التأثيرات وعرفت العديد من التّقلّبات بانسلاخها عن عالمها الأصليّ ونزوحها نحو عالمٍ آخر مغايرٍ تمامًا. وهكذا فإنّنا أمام نصّ يعيد تأويل أسباب هذه التّحوّلات الطارئة وما أفرزته للمجتمع الّذي اتخذ تفكّكه منحى تصاعديًا ما زالت آثاره قائمةً حتّى يومنا هذا في المجتمع الفرنسيّ والأوروبيّ ككلّ.
عدد الصفحات: ١٧٦