إن القرآن المشغول بما هو كوني يعتمد على الجنس بوصفه علامة أبديته دنيا وآخرة، رغم أنه غير مذكور باسمه تمامًا، وما فيه من معاني الحلال والحرام بالمعنى الديني،
حيث يلتقي الرجل والمرأة: النكاح والزنا، مقام الجنسانية المفصلي ..، وهناك بالذات، على قدر ما يكون القرآن متعاليًا على التاريخ،
عدد الصفحات :٢١٥
حيث يتراءى “” اللوح المحفوظ “” ، يكون داخلًا في التاريخ، حيث يبرز “الكتاب”: سورًا وآيات، في الزمان والمكان،
والذين قاربوا محتواه مارسوا هذا الربط وبمستويات إلى حد التداخل والخلط اللذين شكلًا إزاحة للنص عن مضمونه، يقرأ في ضوء التاريخ،
أما اللوح المحفوظ فمسند إلى الغيب، وهذه الانتقالات بين الموقعين: الأرضي والسماوي، هي التي تفصح عن رهانات قرائه، ووجوه دلالاته، بین جنس فارط الدلالة، وجنس مفرط في المعنى.
و بالحق انزلناه ويحدثُ أن تقرأ آيةً في القرآن، فتحتضنك كما لا يمكن لأي ذراعين احتضانَكَ! وتستدك كما لا يمكن لأي عكاز إسنادَكَ! وتعزيك كما لا يمكن لأي كلام عزاءَكَ ! وتواسيك ما لا يمكن لأي قول مواساتك هذا القرآنُ حِضْن، وعُكاز، وعزاء ومواساة، وأحياناً كثيرة ضماد لجروح كثيرة لا يراها الناس!
لكتاب «يوم الإسلام» مَزيَّة خاصَّة في مُجمَل أعمال أحمد أمين؛ إذ إنه الكتاب الأخير في مسيرته الفكرية والثقافية التي امتدَّت ما يقرُب من خمسين عامًا، وبهذا الكتاب يُكمل سِفرين كبيرين في مشروعه الفكري والاجتماعي لحضارة الإسلام، منذ النشأة، وحتى مراحل الازدهار، وصولًا لحالات الانكسار والصحوات الكبرى. فكتاب «يوم الإسلام» يشتمل على الإسلام أصوله وعوارضه في عصوره المختلفة، ويُشهَد له أنه يقف على مرحلة تاريخية طويلة وممتدَّة في مسيرة الفكر الإسلامي، ففيه حديث عن أُسس الإسلام، ومبادئه، ومراحل قيام الدولة، وحضارة الإسلام، والتحديات التي تواجه أبناءه، ووصف لحالات الصراع القديم والـمُمتد، ودفاع عن جوهر الدين الإسلامي والحضارة الإسلامية الوسطية، ونقد السياسة الأوربية، وأهم خطوات الإصلاح المنشودة، ودور الفرد وقيمته في المفهوم الإسلامي. وقد ألَّف أحمد أمين هذا الكتاب في الفترة الأخيرة من حياته، وكان قد أُصيب في عينيه، فنصحه الأطباء بتجنُّب القراءة وخصوصًا بالليل، فكان لا بد من الاستعانة بالغير لإنجاز ما يعِنُّ له من أفكار، وهي حالة وصفها – رحمه الله – بغير الـمُثمرة؛ لأنه كان يستطيع أن يتصفَّح الكتاب في ساعاتٍ ليقف على ما فيه وما يُفيده، أما قراءة الغير فلا تُجزي هذا الإجزاء. وقد عاش أحمد أمين حياةً حافلةً بالنشاط والعطاء، فألَّف وحقَّق وترجم عددًا كبيرًا من الكتب المهمة التي تأخذ مكان الصدارة بين أُمَّهات الكتب، لما تزخر به من الأفكار والآراء السديدة، فضلًا عن أسلوبٍ سلسٍ، عذْبٍ، لا تكلُّف فيه.
المراجعات
لا توجد مراجعات بعد.