موضوع هذا الكتاب هو تفاصيل العلاقة الروحية والفكرية الخاصة التي نشأت بين الشاعر الصوفي الكبير جلال الدين الرومي (604-672 هـ )، ومرشده شمس الدين التبريزي (582-645 هـ تقريبا). فقد كان جلال الدين الرومي فقيها حنفيّا ذا شأن في مدينة قونية التركية، التي كانت في عصر الرجلين عاصمة سلاجقة الروم، وكان يدرس العلوم الاسلامية الأساسية في عصره، علوم القرآن والحديث والمباحث المتصلة بها، وكان يتتلمذ عليه عدد كبير من طلاب العلم.
هذا الكتابُ كنزٌ من كنوز الثقافة الإسلامية القمينة بالكشف والإظهار. وقد ألّفته أستاذة ألمعيّة استعدّت لتعرّف الإسلام تعرّفاً عميقاً منذ يفاعتها، فدرست لغات المسلمين الرئيسة وتمكنت منها، وفتحت قلبها وعقلها لفهم روح الإسلام المتجلّي في قلوب معتنقيه وعقولهم وحركتهم وسلوكهم، واطّلعت اطّلاعاً قليل النظير على مصادر ثقافة الإسلام وتاريخه ونظرته إلى العالم، وتخصّصت بالثقافة الإسلامية في شبه القارّة الهندية الباكستانية. ومن بين فروع شجرة الثقافة الإسلامية شغَفَها التصوّفُ الإسلاميّ حبّاً، فكتبت عن تاريخه وبيئاته ومدارسه وطرقه وأعلامه، وترجمت آثاراً صوفية إلى لغات مختلفة.
ويجيء هذا الكتابُ تتويجاً لهذه الثقافة العميقة الواسعة، إذ قدّمت المؤلفة فيه مباحث في غاية الأهمية لدارسي التصوّف الإسلاميّ ونُشّاد الثقافة الأصيلة. وجاءت تحليلاتها وتبصّراتها في غاية العمق والدّقة والشمول؛ مما يجعل هذا الأثر معلماً بارزاً في طريق ثقافة إسلامية إنسانية أصيلة تستقري آفاق الماضي وتؤسّس لحاضر يزدهر فيه روح الإسلام العظيم وبُعْدُه الرّوحيّ الذي حرّك المسلمين وصاغ عقولهم وحدّد مجاري حركتهم في الأزمنة المتطاولة.
ولعلّ هذا البُعد الرّوحيّ العميق للإسلام هو الذي جعل شاعر الإسلام الكبير محمد إقبال يقول في مطلع القرن العشرين: “لم يستطع بريق العلوم الغربية أن يبهر لبّي، ويعشي بصري، وذلك لأنني اكتحلتُ” بإثمد المدينة”.
فإلى كلّ الذين يتوقون إلى أن تكتحل أعينُهم بإثمد “المدينة” هذه “الأبعاد الصّوفيّة للإسلام” ببيان عربيّ له حظّ كبير، إن شاء الله، من النصاعة والعذوبة والإشراق. والله، سبحانه، الهادي إلى سواء السبيل.
عيسى علي العاكوب
عدد الصفحات : ٦٣٤
أبعاد صوفية للإسلام
تأليف :آن ماري شيميل
دار نينوى
يتمحور هذا البحث حول إعادة فهم رؤية الغزالي في كتابه "المنقذ من الضلال"، تبعًا لهذا السؤال: هل تنضوي هذه الرؤية على فحوى أو مضمون عقلي، بما يجعلها امتدادًا أصيلًا للرؤية الفلسفية بألف ولام التعريف؟ وما مدى تكاملية هذه الرؤية مع فكر الغزالي في مؤلفاته الأخرى السابقة واللاحقة على كتاب المنقذ؟ إن الإجابة عن هذين السؤالين تتكفل، عند تحققها، بدحض ذلك الاعتقاد الراسخ حتى يومنا هذا بأن الغزالي هو المسؤول عن توقف التفلسف والعلم في الشرق بتأليفه لكتاب "تهافت الفلاسفة"، وانتصاره للتصوف، الأمر الذي جعله، وفق هذا الاعتقاد، يحتقر العالم الحسي، إذ وضع الحس والعقل بين قوسين، عندما حط من شأن العقل، أو ما يسمى في الاصطلاح الحديث "الأنا المنطقية"، واستعاض عن عالم الحس والعقل والمنطق، بالعالم الماورائي، أو عالم المشاهدات الصوفية، وكانت النتيجة تحميل الغزالي عبء أحد عوامل النكوص والانحلال الذي أصاب الشرق الإسلامي. وبمرور الزمن، وتواتر هذا الأمر، تحول إلى اعتقاد، ثم ترسخ الاعتقاد فصار إشكالية تعني في صورة من صورها كل مشكلة تطورت حتى تراكمت وتضخمت أبعادها، فصارت أكثر عمقًا وأبعد غورًا، فأصبحت همًا يأخذ بتلابيب الاهتمام في كليته، أعني أنها أصبحت بالنسبة لتاريخ الفكر الإسلامي بعامة، وتاريخها في الشرق الإسلامي بخاصة، همًا أوليًا يطغى على كل اهتمام. ولا يمكن لحقيقة هذه الإشكالية أن تنجلي إلا بإعادة فهم أبعادها، وفق منهج نقدي يأخذ على عاتقه تتبعها لا وفقًا لإحداثيات زمنية تاريخية فحسب، ولكن وفق رؤية نقدية فكرية تحاول تتبع جذورها، فلسفيًا، في النصوص والمؤلفات، بحيث تضع في اعتبارها وضع كل الرؤى السابقة لهذه الإشكالية بين قوسين، لأن الأمر يتطلب إعادة النظر فيها على نحو جديد، وهو ما لا يتسنى لها إلا بطرح كل المواقف الإيقانية التوكيدية الساذجة، وتحويل الشعور من تلك المواقف الساذجة، إلى التجربة النقدية الصحيحة، التي هي المجال الذي يمكِّن الرؤية الجديدة، من التحقيق القصدي للماهية الخالصة لهذه الإشكالية داخل الوعي أو الشعور، بإدراك أبعادها كأشياء حقيقية.
الحب إهتمام، والجميع يفتقدون الحب، نادرون جداً من حققوا الحب، لأن الحب سماوي، يعيش الملايين دون حب لأن الملايين يعيشون من دون ما هو سماوي، الحب مُعتقد، كيف نغوص تلك الفجوة؟ أسهل تعويض هو أن تحصل على إنتباه الناس، إن ذلك سوف يخدعك، يخدعك بأنهم يحبونك.
تذكر أن الإنتباه حاجة نفسية، يجب أن يكون ذلك مفهوماً، لماذا يحتاج الناس الكثير من الإنتباه؟ لماذا يرغب كل شخص يلفت إنتباه الناس إليه؟ لماذا يرغب كل شخص في أن يكون خاصاً؟ ثمة شيء ما مفقود في الداخل؛ أنت لا تعرف من أنت، أنت تعرف نفسك من خلال إعتراف الآخرين لك.
أنا هنا، حاضر جداً بطريقة ما، غائب جداً بطريقة أخرى، لا شيء، يظهر في داخلي ليقول "أنا" هذا لا يعني أني لا أستخدم الكلمة "أنا"، الكلمة يجب أن تستخدم لأنها مفيدة، لكنها لا تقابل أية حقيقة، هي شيء مفيد وملائم وإستراتيجية للغة، لكنها لا تقابل أية حقيقة.
عندما أقول "أنا" فإنني أستعمل الكلمة لأشبر إلى نفسي، لكنك إذا نظرت إليّ لن تجد أية "أنا" هناك، لن تجدني.
عدد الصفحات ٣٣٥
أن نقف مع كتاب لا تدرك فيه إلا مفرداته، وتستعصي عليك جمله وتراكيبه ومكوناته هو البهت والشدَهُ والروع.
كثيرة هي الجبال التي لا نرى إلا هضبة منها، والغابات التي تحيرنا أول شجرة فيها، والبحار التي نغرق بساحلها.
حكي عن قاضي القضاة ابن دقيق العيد (محمد بن علي بن وهب من أكابر العلماء بالأصول مجتهد 625-702هـ) أنه جلس مع ابن سبعين (عبد الحق بن إبراهيم بن محمد الإشبيلي من زهاد الفلاسفة 613-669هـ) من ضحوة النهار إلى قرب الظهر، وابن سبعين يسرد كلاماً تعقل مفرداته، ولا تفهم مركباته.
حتى وصِف بأننا نقرأ لغةً متكسّرة، وإن كانت رائعة، لساناً مبهماً وإن كان منوّراً، تعبير متقطعٌ هو القفز من قمة إلى قمة، فوق هاوية هي بالنسبة إلينا الفراغ الذي لا تستطيع عقولنا أن نملأه، بينما هي بالنسبة إلى كاتبها ومؤلفها العمق الذي يربط قمم التجربة، ويخلق فيها التواصل.
عدد الصفحات :٤١٨
كانَ مولانا على عتبةِ سنِّ الأربعين عاماً حين طَلَعَ ذلك الشّيخ الرمزيُّ في أُفق حياته، وبِنَفَسِهِ السّاحر حوّل الواعظ الرّاسخ صاحِبَ المِنْبر والمدرسة إلى مولانا؛ الأمر الذي أحدث هذه البلبلة في سبعة أقاليم العالم. الأُسس الواقعيّة لهذا الذي حدث مُثلَّثٌ، أحدُ أضلاعه أشعارُ مولانا وكتاباته في ديوان شمس تبريز والمثنويّ وفيه ما فيه والرسائل؛ وأقوالُ شمس في «المقالات» ضِلعهُ الثاني؛ وأوصاف بهاء الدِّين وَلَد (المشهور بسُلطان وَلَد) ابن مولانا ضلعه الثالث. ووصْفُ سلطان وَلَد شهادةٌ مُباشرةٌ لأقرب الشّهود وأكثرهم اطّلاعاً على ذلك الذي جرى. وقد جاء الوصفُ على نحوٍ مُتفرِّق مصحوباً بمعلومات متناثرة أخرى عن أحوال سلطان العلماء (والِدِ مَوْلانا) والسيِّد بُرهان الدِّين مُحقِّق (مُربِّي مولانا) وصلاح الدِّين زَرْكُوب وحُسام الدِّين [14] الأُرْمَويِّ (خليفتي مولانا) في مواضعَ مختلفةٍ من كتابِ «ابتدا نامه» (أوّل جزء من مثنويّات سلطان وَلَد الثُّلاثيّة. أجزاءُ الوصفِ التي تُجمَعُ في مكانٍ واحدٍ تُؤلِّفُ تقريباً عُشْرَ مجموع «ابتدا نامه». وكُلُّ باحثٍ قاصِدٍ إلى التّحقيق في أحوال مولانا عليهِ أن يَشْرَعَ عملهُ بهذا الوصف. ومثلما أنّ الصّلاةَ بغيرِ الفاتحةِ لا تَصِحُّ، لا يتيسَّرُ أيُّ عَمَلٍ جدِّيٍّ في شأن مولانا بغيرِ تدقيقٍ وتأمُّلٍ في جُزئيّات وصف سُلطان وَلَد.
ما فعلناهُ في هذا الكتاب تقديمُ خِدمةٍ لأهلِ التحقيقِ، على هذا النَّحو:
أوّلاً، جمعنا الأجزاء المتفرِّقة للوصفِ من مواضعَ مختلفةٍ في «ابتدا نامه»، ثمّ رتّبْناها ونظّمناها بحسبِ الترتيب التاريخي.
عدد الصفحات :٢٥٢
"مَمُ و زين" قصة الحب التي أبكت الفقهاء
هذه قصة الشاب مم والأميرة زين، التي لم تُبكِ حكايتهما المحبين والعشاق فحسب بل الكبار والصغار وحتى الفقهاء.
كتب قصة مم وزين الشعرية، الأديب والشاعر الكردي، أحمد خاني، في القرن السابع عشر، وينحدر من جزيرة بوطان وعاش بنفسه تلك الصراعات الطبقية والاجتماعية والظروف الاقتصادية السيئة والحروب المستمرة على تلك المنطقة وخاصة بين العثمانيين والصفويين.
وصورت القصة في مسلسل تلفزيوني باللغة الكردية وفيلم سينمائي بالتركية. كما ترجمت هذه الملحمة الشعرية إلى العديد من اللغات العالمية منها الإنجليزية والروسية والألمانية والتركية والإسبانية والأرمنية والفارسية.
قال الشيخ: «تعيش البشريَّة أسوأ أيامها منذ مصيبة يوم كربلاء». وتابعَ قائلاً: «لا يمضي يومٌ إلّا ويحقّق الشرُّ فيه انتصاراتٍ جديدة في بقاع الدنيا كافَّة. وفرصتُنا للخروج مُنتصرين في هذه الحرب ضئيلةٌ تقريباً، هذا إذا لم تكن معدومة… لذلك ينبغي لنا أن نجدَ مرهماً لتضميد هذا الجرح دون إضاعةٍ للوقت نهائيّاً. والأمر المشين في هذا الأمر أنَّ غالبيّة البشر يعانون أكبر الويلات من ناحية تحقيق العدالة، ويصمّون آذانهم عن صوت الحقيقة من ناحيةٍ أخرى. لكنَّ مهمَّتنا المقدَّسة هي الدِّفاع عن حقِّ الحياة، مهما كانت العراقيل والمصاعب التي ستعترضنا». ثمَّ قال الشيخ: «أريد أن أقول لكم شيئاً، وهو أنَّ الطريقة هي الضّوء الذي ينير الطريق للبشريَّة عندما تضلّ طريقها في العاصفة. والطريقة مؤلَّفة من الناس الذين يدافعون عن الحقيقة. والدفاع عن الحقيقة هو من مزايا الناس المسلمين الذين يسلّمون أنفسهم لله عزّ وجلّ، أي الذين يكونون في حالةٍ من الأمان والطمأنينة… والله العالِم المُطلق يعرفُ من هو المسلم. وأن يكونَ المرءُ مسلماً فهذا يعني أنّه يحمل وساماً مشرِّفاً.
لقد كشفت لي دروس الماضي أنَّني ربَّما لم أمتلك بعد الجرأة والإيمان الكافيين لأجل الانطلاق في الطريق المؤدّي إلى مرتبة الفناء في الله. لكنّي فهمت من تلك الدروس أنَّ باب الطريق المؤدّي إلى الفناء في الله هو بابٌ واضحٌ لمن يبحثون عنهُ. ووصولُ الشخص إلى هذه المرتبة هو علامةٌ فارقة، إضافةً إلى أنَّ هذه التجربة هي النتيجة العليا من الفِعل
عدد الصفحات : ٢٩٢.
المراجعات
لا توجد مراجعات بعد.