"لديَّ طائرٌ أسود
ليحلِّق ليلاً..
وطائرٌ أجوف ليحلِّق نهاراً..
لكنّي اكتشفتُ أنهما اتفقا
على أنْ يشغلا العُشَّ ذاته،
العزلة ذاتها،
ولذا،
أنتزعُ منهما أحياناً هذا العشَّ
لأرى ماذا يصنعان حين لا يمكنهما العودة".
تحت عنوان "كمثل شجرة تسقط من ثمرة"، أعدَّ الشاعر والمترجم الفلسطيني وليد السويركي وترجم أشعاراً للأرجنتيني روبرتو خواروس، قدَّم من خلالها إطلالة على تجربة واحدٍ من أبرز شعراء أميركا اللاتينية والشعر المكتوب بالإسبانية عامَّة، لا سيّما في النصف الثاني من القرن الماضي.
"التفكير بشيء ما
شروعٌ في صلاة،
صُنْع ظلٍّ لكل شيءٍ
في قطرةٍ من وجود،
التفكير بشيء ما
إيمانٌ به أيضاً،
تأكيدٌ لوجوده،
مشاركةٌ في الإيمان بأنه
موجودٌ في ذاته
وأنه يكتمل في ظلِّه.
التفكير بشيء ما
إحياءُ طقسٍ في الهاوية
التي تعيدنا للحلم العصيّ على البوح:
قبالة شيءٍ ما
ثمة دوماً شيء آخر".
في هذا الإصدار يُنقل عن خواروس قوله: "في وقت مبكر من حياتي، شعرت أن الإنسان ينطوي على ميلٍ حتميٍّ للسقوط. فلا بد أن يسقط الإنسان، وعلينا أن نتقبَّل هذه الفكرة التي لا تكاد تُحتمل، فكرة الإخفاق في عالم منذور لعبادة النجاح. غير أنه لدى الإنسان، بالتناظر مع هذا السقوط، نزوع نحو الأعلى، يساهم فيه الفكر واللغة والحبّ، وكل الإبداع. ثمَّة حركة سقوط وارتفاع مزدوجة لدى الإنسان، إذاً، أشبه بقانون جاذبيَّة متناقض، وثمَّة بُعْد عمودي بين الحركتين".
وأشار السويركي في مقدّمة "كمثل شجرة تسقط من ثمرة"، إلى أن خواروس، وعبر خمس عشرة مجموعة شعرية، حملت جميعها عنواناً واحداً "شعر عمودي" (شعر عمودي أول، شعر عمودي ثانٍ، وثالث، وهكذا)، وخلت قصائدها من العناوين فبدت كأنّها كلٌّ واحدٌ متماسكٌ، اقترح الشاعر الأرجنتيني معماراً شعرياً تنتظم فيه القصائد حول استعارة مركزية هي "العمودية"، بوصفها تمثيلاً للوعي الإنساني المتأرجِح ما بين حتمية السقوط والنزوع نحو العلوّ.
"فيما تفعل هذا الأمر أو ذاك،
هناك من يموت،
فيما تلمِّع حذاءك،
فيما تغرق في الكراهية،
فيما تكتب رسالةً مسهبةً لحبِّك الوحيد أو غير الوحيد،
وحتى لو استطعتَ ألّا تفعل شيئاً،
سيكون هناك من يموت
وهو يجاهد عبثاً كي يجمع كلَّ الزوايا،
وهو يجاهد عبثاً كيلا يثبِّت نظره في الجدار،
حتى لو كنتَ تموت الآن،
فسيكون هناك شخص آخر يموت،
رغم رغبتك المشروعة بأن تموت حصرياً للحظة،
لذا، إذا ما سُئِلتَ عن حال العالم،
فلتُجِب ببساطة:
هناك من يموت الآن".